سياسةملفات

السلام.. والأسلوب الجديد لممارسة السياسة

د. أسامة أحمد المصطفى

لعل حالة الفرح التي سادت البلاد جاءت للتعبير عن التوق والرغبة العارمة في السلام والتنمية والاستقرار والنهضة لأجيال صمدت أمام المعاناة ، ولمجموعات قاومت الظلم بمختلف أنواع المقاومة ،فأتت الأكل ثمارا من الحب والسرور ، فإن الاهتمام بالسلام والسعي نحوه كان دائما مطلبا انسانیة، والمفاهيم المتعلقة بالسلام والحرب قديمة قدم الإنسان نفسه .كان السلام ولم یزل حلماً للسودانيين منذ عقود عديدة ، فقد عانى الشعب السوداني كثیراً من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب لدرجة أن السلام يكاد يشكل استثناء في مواجهة قاعدة الصراع والحرب وفي وقت ما لم یعد موضوع السلام هو فقط عدم الحرب، بل أصبح للسلام أبعاد عدیدة ترتبط بها إشكاليات كثیرة، فالعدل، واحترام حقوق الإنسان،وغیرها، كلها تدخل ضمن أبعاد مفهوم السلام المختلفة، ويقع على المعنيين بتنشئة الأطفال والشباب في السودان وفي هذه المرحلة التاریخیة، المهمة الصعبة جدا والمصيرية ، وهذه المهمة هي بناء السلام الاجتماعي ونشر ثقافة السلام حتى ينعم الوطن بالاستقرار والتنمية المستدامة الشاملة.إن نجاح ووصول الأمـة دفعة واحدة أو على مراحل لاتفاق وطني تحـدّدت البنود والأُسس و الأمور الاستراتيجية ومعالم التخطيط الاستراتيجي للدولة التي لا يجوز الخلاف عليها و على رأس تلك البنود و الأسس ، الإتفاق على أن الإعتراف بالتنوع الثقافي ، هو عنصر قوة للدولة ، و يجب تقنينه ووضعه في المجرى الصحيح لينصب في تيار نهضة الدولة إضافة إلى الاتفاق على أن لغة العلم هي الوسيلة الوحيدة لممارسة السياسة وادارة الدولة ،مع الاتفاق على اولوية مصالح الوطن قبل المصالح الحزبية او الشخصية .كما يجب الاتفاق على أن الممارسة غير الرشيدة للسياسة تشكل الخطر الأول على الدولة ونموها وتطورها ،فأن الاتفاق على ان افضل واسرع الطرق للوصول لاتفاق وطني يحقق طموحات الأمة هو لغة العلم ، على أن تأمين الدولة واستقرارها يتوقف على مدى تحقيقها للمصالح الاستراتيجية و التنمية المتوازنة و تحقيق مجتمع العدل و الرفاهية و العلم . والاتفاق على أن تحقيق الاستقرار المحلي له ارتباط بالاستقرار الإقليمي ومدى وجود ارتباط دولي ،على ان تحقيق المصالح الاستراتيجية للدولة لا يمكن أن يتم بمعزل عن العالم و التعاون الفاعل معه .الاتفاق على ان الادارة الفاعلة للدولة لا يمكن أن تتم بدون تخطيط استراتيجي متقن ، عليه فأن الاتفاق على ان أي تخطيط استراتيجي للدولة لا يمكن ان يكون فعالاً اذا لم يدرس و يحلل و يراعي الاستراتيجيات و المصالح الاقليمية و الدولية التي تسود العالم ، و الاتفاق قبل كل ذلك على أن لا يتم ترك أي بند استراتيجي غير متفق عليه بين القوى السياسية و العلمية في الدولة ، باعتبار ان أخطر ما يمكن أن يواجه الدولة ويضيع وقتها و يسبب لها عدم الاستقرار و دورانها في حلقة مفرغة هو استمرار عدم الاتفاق حول الأمور الاستراتيجية .وإذا نظرنا إلـى واقع الحال السياسي السوداني نجد أن كل ما ذكرنا من بنود و أسس قد ظلت مفقودة منذ الاستقلال و حتى الآن ،وإذا كان تطور السودان و استقراره رهين بمدى وجود اتفاق وطني استراتيجي بين القوى السياسية , يحدد كافة البنود السياسية و معالم التخطيط الاستراتيجي لادارة الدولة و تحقيق نهضتها , وذلك قبل الاستقلال , فإن إتمام عمليات التسليم والتسلم بين المستعمر والإدارة الجديدة لهذه الدولة الضخمة بدون وجود ذلك الاستعداد قد شكل ضربة البداية لعدم استقرار السودان وتخلفه إلـى اليوم ، وهو ما زال مطلوباً وبنفس القدر للولوج إلـى القرن الجديد .إن قوانا السياسية وقعت في العديد من الأخطاء الاستراتيجية على رأسها الممارسة الخاطئة و غير الرشيدة للسياسة و الديمقراطية و ظل دون موضع اتفاق استراتيجي بينهم , مما ساهم في ضياع نصف قرن من عمر البلاد و إصابة الدين ( ذلك الهدف الاستراتيجي الوحيد بينهم ) بضرر بليغ نتيجة لضعف الدولة و فقر المواطن الناجم عن ممارستهم السياسية و عدم الاتفاق على هذا البند كهدف استراتيجي . من واقع الممارسة الفعلية في السودان نرى أن الديمقراطية بمفهومها الصحيح, لم تـُمارس حتى الآن ، وما تم لا يعدو أن يكون وصول إلى السلطة عبر انتخابات في دوائر مغلقة أو مسنودة بجماهير تساند من منطلق عقائدي طائفي ، أو موعودة بتحقيق أهداف أو مشروعات محددة أو عبر بوابة القبلية ، وقبل ذلك يتم اختيار المرشحين بواسطة الزعماء في الخرطوم و لا يشترط أن يتم اختيارهم بواسطة الجماهيرإذن فمن يأتون إلى قبة البرلمان ليسوا في الغالب الأعم إلا رجال الزعماء , واغلبهم دائماً ما يميل مع ما يريده الزعيم إما بسبب الصلة العقائدية أو المنفعة الشخصية حتى يعود إلى هذا المنصب أو غيره مرة أخرى , وكلنا يتذكر تأجيل التصويت في البرلمان انتظاراً لقرارات الزعماء , ومن يأتون بأصوات حقيقية من الجماهير ويحاولون أن يفرضوا رؤاهم , فهؤلاء سرعان ما يحاربون ويلفظهم الحزب إن لم يسع إلى تدميرهم (أي الأمر كله ديكور ديمقراطي خارجياً , فارغ المحتوى داخلياً.أرى أن المهمة الأساسية الآن أمام الجيل الجديد والقوى السياسية الجديدة مع رحلة السلام التي بدأت هي قيادة الأمة نحو ترسيخ مفاهيم جديدة و أسس و أساليب و أفكار جديدة بما يؤدي إلى توفير الأبعاد التي ظلت مفقودة في البلاد خلال الخمسة عقود الماضية ما بعد إستقلال البلاد والتي أدت إلـى ما السودان فيه الآن من تخلف ، فلا يعقل أن نظل في القرن الحادي والعشرين وعصر العلم و التكنولوجيا بنفس الأساليب التقليدية التي ولجنا بها إلـى القرن العشرين وبنفس القيادات والشخصيات والعقليات السياسية .ولعل فشل تلك الأساليب التقليدية في تحقيق طموحاتنا الوطنية في ظروف أفضل بكثير مما عليه الآن فمن باب أولى أن تفشل أكثر في عصر التفكير العلمي الاستراتيجي المفتوح، ولم لا تتاح الفرص لآخرين ممن يحملون أفكار جديدة وخلاقة يستطيعون أن يضعون إستراتيجية حديثة لدولة حديثة تواكب ركب الحضارة الذي إنطلق وما زال السودان خلف غباره.

إن إدارة دولة تمتلك عدة تريليونات من الدولارات هي عبارة عن قيمة ثرواتها الطبيعية الهائلة التي تجسد أحد أهم المصادر الطبيعية للعالم في المستقبل القريب ،ومنها المياه سلاح هذا فإن تحقيق المصالح الاستراتيجية لهذه الدولة في ظل الطمع الدولـي الشرس وفي ظل وفاق وطني لا يشتمل على كافة البنود الاستراتيجية و الأساسية مع عدم وجود كافة الترتيبات الإقليمية والعالمية التي سبق وتطرقنا لها , فإنها أي تلك المصالح لن تتم بالصورة العادلة بل تقود إلى تمكين القوى الدولية من استنزاف ثروات البلاد و ضياعها أو تأخير استغلالها وفي كلٍ خسارة فادحة وتاريخية لا تستطيع أي قوى سياسية أن تتحملها.عليه فان تحقيق المصالح الاستراتيجية العادلة لا يمكن أن يتم إلا عبر اتجاهين هما ، إما الاتفاق الوطني الاستراتيجي بالكيفية والمحتوى الذي سبق وتحدثنا عنه والذي يتم دفعة واحدة ، وهذا أمر نراه صعب المنال في ظل الظروف السائدة وسط القوى السياسية واستمرار تعاطيها للسياسة المنظور التقليدي .. أو الخيار الثاني وهو يمكن أن يتم على مراحل بين القوى السياسية التي تقبل الدخول في هذا المشروع المبرأة من عوامل الفشل و الأساليب التقليدية في ممارسة السياسة ، و التي يشترط فيها أيضاً أن تستوعب ما ذكرناه من متطلبات الاتفاق الوطني الاستراتيجي،مسنوداً بالمؤسسة العسكرية المراقبة ، محكوما بميثاق وطني استراتيجي يلبي حاجة السلام والوحدة و متطلبات الاستقرار الإقليمي والتعاون الدولي وبالتالي تحقيق التنمية الشاملة للبلاد و يؤدي إلى إمكانية إحداث تغيير استراتيجي يمكن أن يقود السودان نحو وضعه الطبيعي بين الأمم , تستطيع هذه القوى الجديدة أن تفرض الأسلوب الجديد لممارسة السياسة وإدارة الدولة والذي سوف ينعي بدوره كل القديم من الممارسات السياسية..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى