بواسطة مركز الامارات للسياسات
برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات على تزايُد وتيرة توثيق التعاون في المجال العسكري بين مصر والسودان، وشمل ذلك إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، وتكثيف الاجتماعات والزيارات المتبادلة لقيادات ومسؤولي البلدين. وتُسلِّط هذه الورقة الضوء على دوافع كلٍّ من القاهرة والخرطوم لتعزيز تعاونهما العسكري في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية الأخيرة.
مؤشرات التقارُب
رغم تَمتُّع البلدين بحدود برية يصل طولها إلى أكثر من 1000كم، لم يُنفِذ جيشا مصر والسودان تدريبات جوية مشتركة قبيل نوفمبر 2020، موعد انعقاد تدريبات “نسور النيل-1”[i]. وسَبَق هذه التدريبات بأسبوعين تقريباً قيام عبد الفتاح البُرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المُسلحة السودانية بزيارة القاهرة ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وعقب زيارة البرهان للقاهرة، قام رئيس الأركان المصري محمد فريد بزيارة السودان في مطلع نوفمبر ولقاء عدد من القيادات العسكرية السودانية، وأعرب خلال الزيارة عن توقعاته بحدوث “طفرة نوعية” في العلاقات العسكرية بين البلدين، وذَكر بالتحديد مجالي التدريب وتأمين الحدود، وجاء هذا في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوداني عثمان الحسين، وَصَف فيه الأخير نتائج المباحثات مع مصر بـ “المُذهلة”[ii]. كما شهدت تدريبات “سيف العرب” بمصر مُشاركة وحدات عسكرية سودانية إلى جانب قوات إماراتية وبحرينية وأردنية.
الدوافع
يُمكن إرجاع زيادة وتيرة التقارب العسكري بين مصر والسودان خلال الآونة الأخيرة، إلى مجموعة الدوافع الآتية:
أولاً: دوافع الجانب المصري
1. التقارب السوداني-الإسرائيلي: جاءت الرغبة المصرية في تعزيز العلاقات العسكرية مع السودان عقب إعلان الأخير موافقته على إنهاء حالة العداء مع دولة إسرائيل في أكتوبر 2020، ويتحسب الجانب المصري من تضرر المصالح المصرية في المستقبل نتيجة لهذه الخطوة، سيما بعد إشارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمنياً إلى تأييد بلاده للسودان في نزاع الأخير مع مصر حول تبعية منطقة حلايب وشلاتين[iii]، ما تَبِعَه إعلان وزير الخارجية السوداني عُمر قمر الدين اتجاه حكومته بمطالبة مصر بـ “استرداد” منطقة حلايب دون قطع العلاقات الدبلوماسية معها[iv]. كما يخشى الجانب المصري من أن يُمهد التقارب السوداني الإسرائيلي إلى تمدد النفوذ العسكري الإسرائيلي في الجنوب من مصر، خاصةً مع احتلال المجال العسكري مرتبة متقدمة في العلاقات السودانية-الإسرائيلية، وشهد نوفمبر 2020 استقبال منظومة الصناعات الدفاعية السودانية بالخرطوم لوفد إسرائيلي ذي طابع أمني[v]، في خطوة تشير إلى استعداد القيادات العسكرية السودانية تعميق تعاونها مع نظيرتها الإسرائيلية.

2. التنافس الدولي على إنشاء قواعد عسكرية بحرية بالسودان: تسعى دول مُختلفة إلى امتلاك نفوذ بحري بمياه السودان في البحر الأحمر، وعلى رأسها دولة روسيا، حيث قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر 2020 بالتوقيع على اتفاق كان قد توصَّل له مع الرئيس السوداني المخلوع عُمر البشير يقضي بإقامة مركز لوجستي عسكري روسي في مياه السودان على البحر الأحمر. وأعقب توقيع بوتين إعلان رئيس الأركان السوداني أن الاتفاق لا يزال “قيد الدراسة”[vi]. وكان البشير قد وقَّع أيضاً اتفاقاً في عام 2017 مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان يقضي بتطوير تركيا لجزيرة سواكن السودانية بالبحر الأحمر، بما يشمل “بناء مرسى لاستخدام السفن المدنية والعسكرية”[vii]. فيما أعربت دول مثل ألمانيا وأثيوبيا عن رغبتها في استغلال ميناء بورتسودان تجارياً. وتتخوف القاهرة من تزايد احتمالات وجود قوى أجنبية بالقرب من مياهها الإقليمية بما قد يُشكَّل تهديداً مُحتملاً لها في المستقبل، وربما يكون هذا الاحتمال-إلى جانب عوامل أخرى-هو ما دَفع الجانب المصري إلى الإعلان في يناير 2020 عن تدشين “أكبر قاعدة عسكرية” بالبحر الأحمر وأفريقيا في منطقة برنيس القريبة من حدوده مع السودان[viii].
3. النزاع المصري-الأثيوبي حول مياه النيل: جاء تقارب الجيش المصري مع نظيره السوداني في إطار استهداف الأول تطوير علاقته بدول حوض النيل على خلفية التعثُّر المتكرر لمفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي، ونَشر الجيش المصري في ديسمبر 2020 خبراً يفيد بمناقشة قياداته -بحضور وزير الدفاع-لاستراتيجية جديدة للتعاون مع دول الحوض، بما يساهم في توفير الاحتياجات المائية لمصر[ix].

4. اتفاق السلام بين الجيش السوداني والحركات المُسلحة: يقضي اتفاق سلام جوبا بدمج الآلاف من قوات حركات الجبهة الثورية في صفوف الجيش السوداني، ضمن خطة أكبر تستهدف إعادة بناء الأخير عقائدياً وتنظيمياً؛ وتحاول القاهرة أن تبقى على مسافة قريبة من هذا الملف بما يحول دون أن يقود هذا التحول إلى توتير علاقتها بالجيش السوداني “الجديد”. وبالفعل نجحت في أن تكون أحد الأطراف الضامنة لاتفاق السلام.
ثانياً: دوافع الجانب السوداني
1. الاستفادة من الخبرات الاقتصادية والصناعية للجيش المصري: يَطمح الجيش السوداني إلى الاستفادة من خبرات نظيره المصري في المجال الاقتصادي، سيما مع تزايد مطالب القوى السياسية السودانية بتقويض نفوذ الجيش اقتصادياً، في وقت يمر السودان بأزمة اقتصادية تصل حِدتها إلى صعوبة توفير سلع استراتيجية مثل الخُبز والدواء. وحصل السودان بالفعل على منحة من الجيش المصري تمثَّلت في عدة مخابز نصف آلية تنتج أعداداً كبيرة من الخبز[x]، كما وَقَّع وزير الدولة المصرية للإنتاج الحربي محمد مرسي على مذكرة تفاهُم لتطوير التعاون بين الهيئة القومية المصرية للإنتاج الحربي ومنظومة الصناعات الدفاعية السودانية في مختلف مجالات التصنيع وذلك خلال زيارة المعتصم عبد الله نائب مدير المنظومة السودانية للقاهرة في نوفمبر 2020[xi].
2. التعاون في قضايا الحدود: فضلاً عن الاعتبارات الأمنية والعسكرية، يرغب الجيش السوداني في فرض السيطرة على حركة تهريب السلع عبر حدوده الشمالية مع مصر، سيما مع ارتفاع في معدلات تهريب سِلع سودانية مثل الذهب والإبل، في وقت يعاني الاقتصاد السوداني من نقصٍ كبيرٍ في مخزون العملات الأجنبية، وهو ما دفع الجيش السوداني للاتفاق مع الجانب المصري في نوفمبر 2020 إلى إعادة تسيير دوريات عسكرية وأمنية مشتركة في المناطق الحدودية[xii]. ويُمكن أيضاً تفسير تركيز “نسور النيل-1” على النواحي الجوية في هذا الإطار؛ إذ شارك بالتدريبات طائرات بحث وإنقاذ ووحدات من القوات الخاصة. ويتمتع الجيشان بدرجة من التناغم العسكري في هذا السياق بسبب امتلاكهما طائرات روسية الصنع شاركت بالتدريبات[xiii]. ويُذكَر أن قائد قوات الدفاع الجوية السوداني عبد الخير عبد الله قام بزيارة مصر في نوفمبر الفائت، والتقى خلال الزيارة بنظيره المصري علي فهمي بهدف بحث سُبل تطوير التعاون بين الجانبين[xiv].
3. تَجنُّب توتير العلاقات مع مصر: جاءت تدريبات “نسور النيل-1” بناء على طلب رئيس أركان الجيش المصري بحسب نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش السوداني عبد الله البشير[xv]، ويُمكن تفسير الاستجابة السودانية السريعة لهذا الطلب برغبة الجيش السوداني عدم توتير علاقته بدول الجوار خلال المرحلة الانتقالية. وتملك مصر على وجه التحديد عدة أوراق يُمكن لها التأثير على الأوضاع الداخلية السودانية، إذ تملك علاقات جيدة ببعض الحركات المُسلحة بدارفور، وسبق أن اتهمت حكومة السودان في عام 2017 نظيرتها المصرية بدعم حركات في دارفور بالسلاح، وهو ما نَفَته القاهرة حينها[xvi]، بينما توجد قوات مصرية حالياً ضمن بعثة حفظ السلام “يوناميد”. كما تجدر الإشارة إلى إقامة بعض القيادات العسكرية والأمنية السودانية السابقة بالقاهرة في الوقت الحالي.
4. موازنة العلاقات مع أثيوبيا: يرغب الجيش السوداني في كسب دعم أطراف إقليمية مثل مصر في تحركاته على الجبهة الأثيوبية بالتزامُن مع تصاعد النزاع العسكري بين القوات الحكومية الأثيوبية وقوات تحرير شعب تيغراي، حيث يحاول الجيش السوداني انتهاز فرصة النزاع لإعادة فرض سيطرته على أراضي منطقة الفشقة المتنازع عليها مع الجانب الأثيوبي.
وعلاوة على ما سبق، يَجمَع الجانبين المصري والسوداني اهتمامٌ مُشتركٌ بتطورات النزاع الليبي والتعاون في مجال مكافحة الحركات الإسلامية المتطرفة، وتنشط حالياً بالفعل قوات حكومية سودانية في مكافحة التسلل عبر حدود البلاد مع ليبيا، بينما أشارت تقارير أممية إلى مُشاركة حركات مُسلحة سودانية بقوات عسكرية في النزاع الليبي، في الوقت الذي تدعم القاهرة قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر.
خلاصة
عقب تزايد حِدة التنافس الدولي والإقليمي على تعميق الوجود العسكري بالسودان؛ وَظَّف الجانب المصري اهتمام نظيره السوداني بقضايا ضبط الحدود ومعالجة الأزمة الاقتصادية في تعميق التعاون العسكري بينهما، واستجاب السودان للرغبة المصرية بتعميق التعاون بهدف تجنُّب توتير علاقته مع القاهرة، فضلاً عن استثمار التعاون في ممارسة أدوار إقليمية أكبر من الأدوار الحالية، خاصة مع رغبة الجيش السوداني في استعادة سيطرته على المناطق الحدودية المُتنازع عليها مع دولة أثيوبيا.