
إسكات البندقیة في أفریقیا … فشل أم إفشال !؟ القرن الإفریقي نموذ ًجا.
إسكات البندقیة بحلول عام 2020 … تحت ھذا الشعار إنطلق اجتماع الاتحاد الأفریقي للأمن والسلم في الدورة العاشرة لاجتماع الاتحاد الأفریقي للأمن والسلم في العاصمة جیبوتي .
حدد رؤساء الدول الأفریقیة في الذكرى الخمسین للاتحاد الإفریقي في عام 2013، ھدفا طموحا لجعل إفریقیا خالیة من الصراعات عبر إعداد خارطة طریق مفصلة، وكان الھدف الأول ھو إسكات البنادق في القارة بحلول عام 2020. كان الأمل كبیرا لإسكات البندقیة وتعزیز دور الأفارقة في حل الخلافات داخل القارة دون الاعتماد على أطراف خارجیة، في خطوة لتمكین دور أفریقیا كقوة سیاسیة فاعلة إقلیمیًا ودولیا . وكان التحدي الاكبر ملفات السلم والأمن خاصة الوضع في لیبیا، وتفاقم الصراعات في جنوب السودان وأفریقیا الوسطى، وتزاید تھدید الإرھاب لدول مثل بوركینا فاسو ومالي ونیجیریا، وتشاد والنیجر.

ومع اقتراب موعد تحقیق الھدف الرئیسي للاتحاد الإفریقي بـ”إسكات البندقیة” في القارة بحلول عام 2020، أعرب الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة المسؤول عن المشروع عن ارتیاحھ إزاء التقدم المحرز، وأملھ في الوفاء بالموعد النھائي. وقال لعمامرة الممثل السامي لرئیس الاتحاد الإفریقي لمشروع “إسكات البندقیة ”، على ھامش مؤتمر إسطنبول السادس للوساطة ،إن “إفریقیا المعروفة بالنزاعات وسفك الدماء تستعد لتغییر ھذه السمعة عام 2020 “،واعتبر أن القارة السمراء أحرزت تقدما في منع وإدارة وتسویة النزاعات، مستشھدًا باتفاقیات السلام في دولتي جنوب السودان، وجمھوریة إفریقیا الوسطى، والانتخابات السلمیة في مدغشقر والكونغو. لكن ھذا التفاؤل لم یدم طویلا حیث ظھرت بوادر أزمة في إثیوبیا بین الحكومة المركزیة وحكومة اقلیم تیغراي شمال البلاد.
الصراع الإثیوبي الإثیوبي – خلفیة تاریخیة :- ورد في كتاب أوضاع اللغة العربیة في القرن الأفریقي – تقاطعات الدین والھویة والإثنیة ، أن التیغراي من الشعوب الإثیوبیة ذات الأصل السامي ، فمنطقتھم ھي منطقة أكسوم ، العاصمة الاولي للحبشة والمكان الذي أستقرت فیھ الھجرات الیمنیة القدیمة . یسكن التغراي في الجزء الشمالي الغربي من الھضبة و ُھم من الشعوب الأثیوبیة العریقة وأرتبط تاریخھم بتأسیس مملكة أكسوم التي بقیت قرونا طویلة ، لكنھم ، بعد فقدانھم الحكم ، أصبحو من الشعوب المضطھدة المغلوبة علي أمرھا ، وكانو في الواجھة في النزاع مع قومیة الأمھرا ، بحكم تداخل منطقتھم الجغرافیة وتاریخھم مع الأمھرا .تنقسم قومیة التیغراي بین دولتي إثیوبیا وإریتریا .وتعیش في مساحة قدرھا 102.000كم مربع من جملة مساحة إثیوبیا . خاضو حرب تحت اسم )جبھة تحریر تیغراي (التي تأسست في عام 1975 وتم إنشاء جبھة عریضة من مقاومي نظام منغستو ، وتشكیل ما ُس ّمي الجبھة الدیموقراطیة الثوریة للشعوب الإثیوبیة وھي التي أسقطت عبر الزحف العسكري من الاطراف ، حكم منغستو ھیلي ماریام في عام 1991 . وعقب الأستیلاء علي السلطة في أدیس أبابا أصبح التیغراي علي الرغم من قلة عددھم ، القومیة المسیطرة علي مفاصل السلطة والثروة في إثیوبیا .وما كان لنظام منغستو لیسقط لولا التحالف بین الجبھة الدیموقراطیة الثوریة للشعوب الإثیوبیة التي تزعمھا تیغراي إثیوبیا بقیادة ملس زیناوي والجبھة الشعبیة لتحریر ارتریا بزعامة اسیاس أفورقي

غیر أن ذلك التحالف سرعان ما انقلب إلي حالة عداء شدید تحول بسرعة إلي نزاع حدودي مسلح وحرب طاحنة في منطقة بادمي الحدودیة عام 1998 و 2000 مات فیھا عشرات الآلاف بین الطرفین.
وكان متوقع حول إمكانیة قیام تحالفات سیاسیة لإخراج القطر من قبضة أقلیة التیغراي المتھمة بالسیطرة علي مفاصل السلطة والثروة في الدولة الأثیوبیة . وكانت البدایة بانسحاب جبھة تحریر تیغراي من الائتلاف الحاكم واعترضت الجبھة على تأخیر الانتخابات الإثیوبیة، متھمة فیروس كورونا وآبي أحمد في نفس الوقت. وفي سبتمبر، صوت الإقلیم في انتخابات بداخلھ على أن الحكومة الفیدرالیة غیر قانونیة. وضغطت الحكومة الفیدرالیة بتحویل التمویل من جبھة تحریر التیغراي إلى الحكومات المحلیة، ما أغضب القیادة الإقلیمیة. وفجاءة ودون سابق إنذار دارت حرب طاحنة في إثیوبیا وحرب غیر متوقعة .

رئیس الوزراء الإثیوبي آبي أحمد الحائز علي جائزة نوبل للسلام 2019، أطلق حملة عسكریة على منطقة تیغراي في شمال البلاد في الثاني من نوفمبر بھدف معلن ھو الإطاحة بالحزب الحاكم فیھا ، جبھة تحریر شعب تیغراي الذي اتھمھ بتحدي حكومتھ والسعي لإسقاطھا. وفي نھایة عام 2020أعلن الجیش الإثیوبي السیطرة على مدینة میقلي ، حاضرة إقلیم تیغراي، والمعقل الأخیر لقادة الجبھة الشعبیة لتحریر تیغراي المتمردة على الحكومة المركزیة في أدیس أبابا. وجاءت السیطرة علیھا بعد تقدم قوات الجیش نحوھا من ثلاث جبھات وانتزاعھا عدداً من المواقع الاستراتیجیة في محیطھا،نتج عن ذلك فرار عشرات الالاف من اللاجئین من اقلیم تیغراي الي شرق السودان .
الصراع الإثیوبي السوداني الحدودي .
تعد الاشتباكات المسلحة على طول الحدود بین السودان وإثیوبیا أحدث تطور في تاریخ من التنافس المستمر منذ عقود بین البلدین، رغم أنھ من النادر أن یقاتل الجیشان الإثیوبي والسوداني بعضھما البعض مباشرة للسیطرة على الأراضي. ویدور النزاع بینھما حالیا حول منطقة تعرف باسم الفشقة حیث یلتقي شمال غرب منطقة أمھرة الإثیوبیة بولایة القضارف في السودان. وعلى الرغم من أن الحدود التقریبیة بین البلدین معروفة جیدا ،ویذكر أنھ نادرا ما یتم ترسیم الحدود الدقیقة على الأرض. وكانت قد أعلنت وزارة الخارجیة الإثیوبیة، في الاسبوع الأول من العام الجدید أن الجیش السوداني تحرك داخل العمق الأثیوبي ، مستغ ًلا الفراغ الأمني على الحدود ،بسبب عملیة إنفاذ القانون في إقلیم تغراي وتجاوز حدود البلاد. واكد الجانب الإثیوبي على أھمیة الحوار والتفاوض لحل القضایا الحدودیة مع السودان. وإثیوبیا سعت لعدم تضخیم موضوع الحدود مع السودان وجعلھ قضیة إقلیمیة باعتباره یمكن حلھ مع البلدین عبر الحوار. ویعد الإقلیم الغربي لإثیوبیا من أشدّ الأقالیم الإثیوبیة ارتباطا بالسودان ، فسكانھ لا یختلفون من الناحیة العرقیة واللغویة عن سكان منطقة جنوب النیل الأزرق السودانیة ویتسم الإقلیم بانتشار اللغة العربیة باللھجة السودانیة بحكم تاریخھ وبحكم التداخل العابر للحدود بین السكان .
دور إریتریا المحوري في القرن الأفریقي .

تكتسب إریتریا أھمیتھا الجیواستراتیجیة من كونھا تطل في أقصي جنوبھا علي الجزء الأكثر ضیقًا من حوض البحر الأحمر ، حیث یقع باب المندب ، یضاف إلي ذلك امتلاكھا أرخبیل جزر دھلك العدیدة في مواجھة الیمن ولھا علي البحر الأحمر ساحل یمتد نحو 1000 كم . أحاطت بالصراع الإریتري – الإثیوبي في مرحلة النضال من أجل التحریر وفي مرحلة ما بعد الاستقلال ، تحالفات اجتذبت بعض القوي الإقلیمیة كإسرائیل وإیران ، وبعض الدول العربیة ، بمعسكراتھا السیاسیة المختلفة ، للانخراط في الشؤون الإریتریة ، ولذلك صارت إریتریا ممثلة في نظام الجبھة الشعبیة الحاكمة بقیادة أسیاس أفورقي ، حاضرة بقوة في الصراع العربي – الایراني وفي الصراع العربي – الإسرائیلي علي البحر الأحمر وكما بقیت حاضرة بطریقة حرب الوكالة ، في الصراع الصومالي الداخلي ، نتیجة للتدخلات الإثیوبیة في الشؤون الصومالیة وقتھا ، وشمل الصراع الإریتري ، تحت ظل حكم الجبھة الشعبیة بقیادة أسیاس أفورقي ، جارتیھا الكبیرتین ، السودان وإثیوبیا . ولا غرابة ، فالمعارضون لنظام أفورقي وجدوا في فترات مختلفة دع ًما من كل من السودان وإثیوبیا . كما دعمت إریتریا في فترات مختلفة ، المعارضین في كل من السودان وإثیوبیا ، ولم تزل إثیوبیا وإریتریا من جھة ، والسودان وإریتریا من الجھة الأخري ، تحتفظان ببطاقات الضغط المتمثلة في القوي المعارضة الموجودة علي أراضي كل من ھذه الدول .

وبالعودة لطاولة مباحثات السلام ، تعتبر قرارات الأتحاد الأفریقي لإسكات البندقیة في القارة ضعیفة التنفیذ. ولا تزال مساھمة الاتحاد ودوره الكبیر في المبادرات المحلیة للوساطة والحیلولة دون نشوب النزاعات، غیر معترف بھ إلى حد كبیر ویلقى دعماًضعیفاً. الإتحاد الأفریقي الذي كان لھ بالفعل سلطة لفت انتباه العامة إلى القضایا التي تم التغاضي عنھا إلى حد كبیر، ومحاولات كبیرة في سبل تعزیز ودعم السلام وزیادة الوعي بشأن أثر الحرب علي القارة الافریقیة بشكل عام والقرن الأفریقي بشكل خاص .
وفي النھایة ھناك ما یشبه القناعة لدى المحللین المختصین بالشأن الإفریقي أن الأحداث التي تجري في القرن الإفریقي الآن سیكون لھا تأثیرات كبیرة في المشھد الإقلیمي والدولي ، وأن أي حسم بأي اتجاه سیولّد حقائق وتحالفات جدیدة على الأرض ستعقد الواقع أكثر.