سياسةملفات

الصراع السياسي بين الرئيس الصومالي والقوى المعارِضَة: مُحرِّكاتُه وآفاقُه

مركز الإمارات للسياسات :

اندلعت موجةُ احتجاجات عنيفة في العاصمة الصومالية مقديشو ذهب ضحيتها عددٌ من الجنود والمدنيين، في سياق أزمة سياسية حادّة ولَّدها الفراغُ الدستوري الناجم عن انتهاء ولاية البرلمان بمجلسيه، وانتهاء ولاية رئيس الجمهورية الذي يتشبث بالحكم رغم اعتراض أغلب حكام الولايات والقوى السياسية والقوى العشائرية والقبلية ومنظمات المجتمع المدني.

ترصد هذه الورقة التطورات السياسية الأخيرة في الصومال، وتحاول استشراف آفاقها المستقبلية.

الحراك المعارض للرئيس فرماجو 

اندلعت في 19 فبراير 2021 موجةُ احتجاجات مناوئة لاستمرار الرئيس محمد عبد الله محمد، المعروف بفرماجو، في الحكم بعد نهاية ولايته في 8 فبراير. وهكذا أعلن تجمعُ أحزاب المعارضة وعددٌ من رؤساء حكومات الولايات التي تضمها الفيدرالية الصومالية عدمَ الاعتراف بشرعية الرئيس المنتهية ولايته، مع المطالبة بإنشاء مجلس انتقالي يضم مجلسي الشعب والشيوخ، ورؤساء الولايات، ومنظمات المجتمع المدني من أجل الإشراف على المسار الانتخابي، وسد الفراغ الدستوري الخطير الذي دخلت فيه البلاد (انتهاء شرعية البرلمان الفيدرالي في ديسمبر 2020، وشرعية رئيس الجمهورية في 8 فبراير 2021).

ومع أن اتفاقاً قد وُقّع في 17 سبتمبر 2020 بين رؤساء الولايات الإقليمية الخمس والرئيس يقضي بتأجيل موعد الانتخابات المباشرة، والذي صادق عليه البرلمان بعد بضعة أيام، إلا أن العديد من العقبات العملية حالَت دون تطبيق الاتفاق الذي كان ينص على أن يختار قادةُ العشائر ممثلين خاصين بهم يُعيِّنون برلماناً جديداً للبلاد (المؤلف من 275 عضواً)، في حين تختار المجالس البرلمانية للولايات أعضاءَ مجلس الشيوخ (البالغ عددهم 54 عضواً)، على أن يُنتخب رئيس الجمهورية من مجلسَي البرلمان مجتمعَين. ونص الاتفاق أيضاً على تشكيل لجنة انتخابية فيدرالية جديدة، ولجان انتخابية منفصلة لكل ولاية من الولايات الأعضاء.

وقد أعلن عددٌ من رؤساء الولايات، وفي مقدمتهم حاكما المنطقتين المستقلتين ذاتياً بونتلاند وجوبالاند، رفضهما لهذا المقترح، في حين تلكّأ رؤساء الولايات الموالية للحكومة (فورقور ولافتا غارين وغودلي) في قبول أوامر فورماجو القاضية بالشروع في انتخاب البرلمان تمهيداً للتجديد له. وتتركز معارضة فرماجو في عدد من العشائر النافذة، وعلى الخصوص قبائل “هبرغدير” و”مودولود” التي تحتفظ بقاعدة شعبية وانتخابية واسعة في العاصمة مقديشو وبقية الولايات الأخرى. ومع أن دستور 2016، الذي خضع لتعديلات متكررة تحت الرعاية الدولية، قد كرّس النظام الفيدرالي في الصومال، إلا أن الحكومات المحلية تتصرف عملياً كدول مستقلة، ولا تعترف بسلطة الحكومة الاتحادية في مقديشو.

ومن الجلي أن القطيعةَ أصبحت كاملةً ما بين حكومة فرماجو المعزولة حتى في العاصمة مقديشو والقوى السياسية والعشائرية الرافضة للتمديد للرئيس الذي يحكم منذ عام 2016، وإن كان لا يزال يحظى بدعم تركي وقطري، وقبول نسبي من الولايات المتحدة التي يتمتع بجنسيتها.

وفي حين يتولى منتدى الأحزاب الوطنية المعارض الذي يضم ستة أحزاب سياسية فاعلة مهمةَ التصدي للتجديد للرئيس فرماجو، برز ائتلاف من 12 مرشحاً للرئاسة يسعى لإعادة بناء المسار السياسي على أساس قواعد توافقية جديدة، مع إعادة تشكيل اللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات، ومراجعة قانون الأحزاب الذي وضع قيوداً صارمة على مشاركة الأحزاب السياسية في المنافسات الانتخابية.

سيناريوهات الصراع السياسي الصومالي

على الرغم أن جمهورية الصومال دخلت منذ عام 2010 عمليةَ انتقال سياسي أفضت إلى تطبيع نسبي لمؤسسات الحكم، إلا أن البلاد لم تخرج عملياً من مأزق الاحتقان والتفكك الذي عرفته منذ سقوط نظام سياد بري في يناير 1991. ولا تزال الصومال تعاني ثلاثَة مشاكل داخلية جوهرية هي:

  1. الصراع العشائري الدموي المتمحور حول خط التمايز بين الجنوب والشمال.
  2. الحالة الانفصالية في جمهورية “أرض الصومال” (صوماليلاند) التي أعلنت استقلالها عام 1991، بالإضافة إلى وضع منطقتي بونتلاند وجوبالاند، وحالة إقليم أوغادين الذي تسيطر عليه إثيوبيا، وتطالب به الحكومة الصومالية.
  3. موجة الإرهاب الراديكالي التي فجرها تنظيم “الشباب المجاهدين” الذي تأسس عام 2004 وسيطر عام 2008 على أغلب مناطق البلاد، ولا يزال يواصل عملياته الهجومية داخل الصومال وفي كينيا المجاورة.

ومع أن عدداً من المبادرات الداخلية والدولية برزت في السنوات الأخيرة من أجل إعادة بناء النظام السياسي الصومالي وتسوية النزاعات الداخلية، بما فيها المفاوضات التي رعتها جيبوتي بين الرئيس فرماجو ورئيس جمهورية أرض الصومال موسى عبدي (في 18 يونيو 2020)، إلا أن الأزمة السياسية لا تزال قائمة، ومن المرجح أن تتعقد في ضوء مشاكل الانتقال السياسي الراهن وسياسات الرئيس فرماجو القائمة على استهداف الولايات الإقليمية، وخصومه السياسيين، والرغبة في تمديد بقائه في السلطة.

وفي هذا السياق يمكن استشراف سيناريوهين بارزين:

الأول، نجاح قوى المعارضة المنضوية في تحالف الأحزاب الوطنية وائتلاف مرشحي الرئاسة والقوى القبلية والعشائرية في فرض التغيير من خلال الحركة الاحتجاجية في الشارع، بما يعني خروج الرئيس فرماجو من السلطة، وإنشاء مجلس انتقالي للإشراف على انتخاب برلمان جديد يوكَل له تعيين رئيس للدولة. ولنجاح هذا السيناريو، من الضروري بروز رعاية دولية فعالة لهذا التحول، وقد يكون الاتحاد الأفريقي هو الطرف المهيَّأ لهذا الدور نتيجة لخبرته الميدانية الطويلة في إدارة الملف الصومالي من خلال بعثة الاتحاد الأفريقي “أميصوم” التي تضم 20 ألف عنصر مسلح. كما أن الأطراف الأوروبية والأمريكية الحاضرة في الصومال عسكرياً وسياسياً مؤهلة لأداء دور داعم للحل السياسي المنشود.

الثاني، تفاقُم الأزمة السياسية نتيجةً للعجز عن توصُّل الفرقاء السياسيين إلى حلٍّ توافقي يضمن دفع ديناميكية المصالحة واستئناف المسارات الانتخابية. وفي هذه الحالة، ليس من المستبعد أن تعود البلاد إلى حالة الحرب الأهلية، بما قد تُفضي إليه من استفحال وضعية التفكك الداخلي بإعلان عدد من المناطق استقلالها، مع عودة نشاط المجموعات الراديكالية المتطرفة التي لا يزال لها حضور فاعل على الأرض.

ومع أن السيناريو الأول يبدو أقوى، إلا أن السيناريو الثاني واردٌ جداً في حال تدخُّل القوى الإقليمية الداعمة للرئيس فرماجو، وخصوصاً تركيا وقطر بما قد يعوق خيار الحل السلمي والمصالحة الوطنية.

خلاصة واستنتاجات

  • تعكس الاحتجاجات التي شهدتها مقديشو في 19 فبراير 2021 حالةَ القطيعة بين الرئيس محمد عبدالله فرماجو، الذي يسعى إلى التمديد لنفسه في الحكم من مجلس الشعب المنتهية ولايته أصلاً، والقوى السياسية والعشائرية ومنظمات المجتمع المدني التي تُطالِب بإعادة بناء المسار السياسي على أساس قواعد توافقية جديدة.
  • هناك سيناريوهان محتملان للأزمة السياسية الراهنة في الصومال: الأول، نجاح قوى المعارضة في فرض التغيير من خلال الحركة الاحتجاجية في الشارع، بما يعني خروج الرئيس فرماجو من السلطة وإنشاء مجلس انتقالي للإشراف على انتخاب برلمان جديد يوكَل له تعيين رئيس للدولة. والثاني، تفاقُم الأزمة السياسية نتيجةً للعجز عن توصل الفرقاء السياسيين إلى حل توافقي يضمن استئناف المسارات الانتخابية، وفي هذه الحالة ليس من المستبعد أن تعود البلاد إلى حالة الحرب الأهلية بما قد تُفضي إليه من استفحال التفكك الداخلي بإعلان عدد من المناطق استقلالها، مع عودة نشاط المجموعات الراديكالية المتطرفة. ومع أن السيناريو الأول يبدو أقوى، إلا أن السيناريو الثاني واردٌ جداً في حال تدخل القوى الإقليمية الداعمة للرئيس فرماجو، وخصوصاً تركيا وقطر بما قد يعرقل خيار الحل السلمي والمصالحة الوطنية.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى