سياسة

السودان.. بين الواقع وفرض الأمر الواقع

د. اسامة احمد المصطفى- واشنطن

*الولايات المتحدة بدأت تتملل على البرهان ان يتأمل فداحة المشهد .
*كارما مذابح بابنوسة والضعين و (واو) تصيب كل من السياسيين والعسكريين.

  • جميع أوامر الابادة في السودان كانت من الأحزاب السياسية بالأنانية للجيش .
  • لن يُستثنى أحد من حرق الأبرياء مرة واحدة داخل عربات القطار.
  • لن يُستثنى أحد من الابادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
  • لن يُستثنى أحد من الابادة الجماعية للثوار يوم فض الاعتصام وما تلته من مجازر.

الموت هنا والموت هناك، القتل العمد على جانب الطريق، دوي الرشاشات والدانات والقاذفات والقنابل على صدور وجماجم شباب السودان الثائر العزل الذين يطالبون بحقهم في حياة كريمة في ظل حركة سلمية . مثل هذا الوضع بقي في السودان منذ استقلاله بفشل السياسيين والعسكريين معا ، ولن يُستثنى أحد من القتل والإبادة الجماعية التي مارسها ضد الجنوبيين و الوحدويين الشماليين في بابنوسة والضعين والمجلد ومدينة واو في جنوب السودان قبل الانفصال ، في ستينيات القرن الماضي ، بأمر من جميع الأحزاب السياسية نعم ( جميعها ) بالأنانية للجيش ، والذي لم يتردد في حرق الأبرياء مرة واحدة داخل عربات القطار ، ومرة في حفل زفاف ومرات أخرى داخل المسجد وداخل كنيسة كما ، ومؤخراً في عام 2003 وما بعده. ما حدث في دارفور والإبادة الجماعية وجبال النوبة والنيل الأزرق و ثم حدث ولا حرج فيما حدث من الابادة الجماعية للثوار يوم فض الاعتصام وما تلته مما يدل على عمق الفشل في الدولة السودانية.

البرهان

فالسودان ظل يعيش مع شعور عميق ودائم بالهشاشة وانعدام الأمن، بسبب ضيق أفق أبنائه من السياسيين والعسكريين الذين جعلوا منه بلداً يتسم بضعف كفاءة الدولة في أداء مهامها الأساسية واهتزاز شرعيتها، بشكل جعل الشعب فيها عرضة لمجموعة واسعة من الأخطار ( التشرد والنزوح والهجرة والقتل ) منذ فجر الاستقلال إلى اليوم ظل الاستغلال والابادة للبشر هو سيد الموقف ، فأدى هذا الشعور إلى اتجاهات مختلفة ومتخلّفة تصطدم جميعها بمعايير بناء الدولة، وتتفاقم بسبب تجاهل شرعية الديمقراطية كصورة تمثل التعبير الأمثل عن المدَنية، إلا أن الميل إلى المبالغة في بسط القوة والقمع كوسيلة للبقاء على كرسي السلطة، جعل من هذه الديموقراطية هشة مرهونة بالنزاعات الشخصية الزعائمية المتفردة بالحكم ،ففي كل الأوقات ، كان الجيش يقفز إلى السلطة بأوامر من السياسيين الذين فشلوا في إدارة الدولة أحزابهم الفاشلة التي لم تحقق ديمقراطية واحدة سليمة وسلمية في السودان، ثم يقوم الجيش بقمع الناس وتعاملهم بوحشية بموافقة هذه الأحزاب

فإن معادلة صراع القوة بين السياسيين من جهة، وميل الجيش لفرض نفسه وبناء الجهاز العسكري الذي من المفترض أن يحمي الشعب والوطن من جهة أخرى مع دخول عنصرين (كخضراء الدِمن)، (قوات الدعم السريع في الجانب العسكري )، و(قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي) من الجانب السياسي ، كرست الازمة بشكل مطلق ٫ وأصبح الأمر في الوقت الراهن كما «الشليل» الذي أكله «الدودو»، والشليل هو عظمة ساق الماعز تُلقى بعيداً ثم يتم البحث عنها، أما الدودو فهو حيوان خرافي في تراث السودان الشعبي، والذي غالباً ما، حسب الرُواة، يأكل الشليل ( فاصبح لدينا عشرات الدودو في الغابة جميعها ننهش الشليل ، فهل يتلاشى ؟)

وباستقراءٍ دقيق للأحداث التاريخية السودانية، اتضح أن تهشم القوى السودانية يتأتى بسبب الخلافات الداخلية بين رؤوس وأقطاب التكتلات والأحزاب، التي تجذرت فيها الذات وطلب الزعامة، وسرعان ما تتحول إلى خلاف، ظاهرهُ قضايا حركية أو دينية أو فكرية أو تداخل أجنحة متنافسة، لكن واقعه أمور شخصية وأنانية وتطلعات ذاتية مغلقة
وهذه تعد خطيئة كبرى في حدّ ذاتها وليست مجرد خطأ، حيث إنها تمثل نفاقاً سياسياً تأباه طبيعة الإدارة، غذّاه غياب القيم الأخلاقية في العمل السياسي الذي يتحول إلى صراعات دموية
إن احترام الرأي الآخر و إفساح المجال للاجتهاد، وتكريس الضوابط الشرعية الدستورية هي من أهم الأخلاقيات التي تحتاجها السودان اليوم، فهي تجسد الإجماع الوطني الجديد، الذي يستوعب جميع القوى والتيارات في أطر منسجمة لا تمر عبر الاستفراد بالحكم، واستخدام أساليب الإقصاء، التي تساهم في تنمية العصبيات والعقليات الدوغمائية
إن الصلاح هو اصطفاف جميع القوى في إطار مشروع جامع، وتوفير الإرادة الصادقة لتوسيع دائرة المشاركة وتمكين الشباب الصالح و هو الذي يحتمل الأذى راهنا ولا يرتكبه ولا شك أن شبابنا احتملوا الأذى بما فيه
الكفاية ، فهل من صالحين في المنحى يدركون أن الكرامة مجد يأتي نتيجة عقل مستقيم وجاد هل يرتقي البرهان إلى مستوى وعي الشباب؟ وكنا قد اشدنا في مقالات سابقة بآن الولايات المتحدة وظلت تقول نحن نراقب الوضع عن كثب في السودان ٫ وقد نبهنا علي ان يسرع الثوار بتكوين حكومة تسيير اعمال لما تبقت من الفترة الانتقالية قبل ان يأتي تحرك علي سبيل المثال فرض حكومة ما او تطبيق الفصل السابع بكل مواده.

فبين إدراك الذات ونقد الواقع في المشهد السياسي السوداني لا يمكن الحديث عن المرحلة القادمة بين الإعلان الحكومة المزمع تكوينها بعيدا عن الثوار ولجميع تكويناتها مع الشروع في أي شكل للدستور المقبل، دون المرور بالمحددات الأساسية لأطروحات بناء الدولة السودانية الجديدة المبنية على توسيع دائرة المشاركة ، التي أصبحت محكومة بالأطر القانونية وارتباطها الوثيق بواقع مطالب الشعب السوداني للحرية والانفتاح على العالم، ما يجعل من إشكالية صياغة مفاتيح العلاقات الداخلية وملفات السلام، تجنح نحو عملية تتداخل فيها الفواعل الخارجية من جهة، والتحولات الطارئة على بنية الدولة السودانية سياسياً ومجتمعياً من جهة أخرى بين الواقع ، شبح فرض الأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي و الولايات المتحدة

ما يجري في العاصمة السودانية حاليا ، مع المواجهة العسكرية الدموية ضد الشباب ، سينتصر حتما الشباب والإنسانية والحق في كل مشاهدها ، بصمود الشباب مع بروز ايقونات قادة زعماء تبلور هذا الحراك الشبابي إلى
مشروع دولة الثورة للبناء ، او بتدخل المجتمع الدولي وآلياته وبنوده وآلياته وقواته العسكرية لحسم الأمر ، وقتها سيكون الامر اكثر مشاقة للسيد عبد الفتاح البرهان وزمرته.
في الختام ، من المؤكد تمامًا أن نجم كل الأحزاب السياسية سوف يأفل ، وسقوط قادة الجيش أمر لا مفر منه ، وتتألق نجم حركات الشباب في مستقبل باهر لسودان جديد بعد رفضهم للسياسيين
الزائفين
.والعسكريين المتوحشين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى