د.اسامة احمد المصطفي – واشنطن

تُعتبر الوحدة هي التجسيد المطلق لخيال السلام ، بينما قد يكتفي السياسيون بقصر أنشطتهم ، وهم سعداء ، على مجالات تصح فيها افتراضاتها دومًا ، و يُضطر العسكريون إلى التعامل مع المشهد الواقعي للسياسيين من خلال البيانات المتوافرة بين أيديهم والنظريات المتصوَّرة في عقولهم، ويجب أن نحافظ على هذا الفرق في أذهاننا إذا كنَّا سنستخدم كلمات مثل «فوضى» عند الحديث عن السياسيين و الآخَرين. إن أي نظام سياسي فوضوي له كيان مختلف عن أي نظام اجتماعي نسميه فوضويًّا.
بينما تُقدِّم العسكرية ادلة طغيان تصارع المشهد من أجل تقديم توصيفات فقط، وقد يفضى العجز عن إدراك حقيقة الواقع السوداني وهذا الفرق إلى إضفاء مرارة على الجدال لا داعيَ لها ، لن «يفوز» أيٌّ من الطرفين في النقاش، ومع انسحاب الجيل السابق تدريجيًّا من المجال، فإنه من الشائق متابعة بعض أفراد الجيل الجديد وهم يتبنَّوْن أسلوب النماذج المجمعة؛ والذي يتمثل بشكل أساسي في تبنِّي نماذج متعددة ﮐ «نموذج واحد» واستخدامها معًا دون اختيارها أو دمجها معًا. بدلًا من ممارسة دور الغرماء في منافسة، هل يمكن أن يعمل السياسي والثوري والعسكري كفريق واحد؟
تساعدنا دراسة الفوضى على أن نرى بوضوحٍ أكثر أيُّ الأسئلة منطقية وأيُّها غير منطقي على الإطلاق في الشآن السودان الشائك . تجربتنا دراسة الديناميكيات الفوضوية على القَبول أن بعض غاياتنا غير قابلةٍ للتحقيق في ظل الخواص المزعجة للنظم اللااخلاقية في أمور الدولة السودانية . وبالنظر إلى أن أفضل نماذجها عن العالم لا منطقية ، نماذج السياسة الفوضوية ، والاقتصاد المتراجع ، والفقر غير المبرر لبلد غني، ، ودائرة الاستبداد وفشل الساسة بل وحتى النظام الاجتماعي .
يترتب على هذا الاستبصار نتائج تتجاوز المفاهيم، تصل إلى عدم دعم عملية اتخاذ القرار وصناعة الفوضى والسياسات الموازية . غير المثاليًّة، التي تسهم في عدم الاستبصار المُستقاة من الفوضى و الديناميكيات اللامنطقية في مساعدة واضع النماذج السيادية السياسية السودانية المختلفة منذ استقلال البلاد في العام ٥٦ من القرن الماضي ، وهو الذي يشعر بعدم بالثقة في تفسير حدود معرفتنا الحالية ، عند توجيه سؤال إليه يعرف عدم منطقيته، ويقدِّم المعلومات المتوافرة. حتى إذا كانت أوجه القصور في النموذج تشير ضمنًا إلى عدم وجود توقُّع احتمالي مرتبط بالسياسات، ساعَدَ علي عدم الفهم الأفضل للعمليات الفلسفية السياسية الكامنة لمتخذي القرار لعقود طويلة ولا يزال يساعدهم علي الفشل .

في حالة السودانية بكل اسف تُتخذ جميع القرارات الصعبة في ظل عدم اليقين، وقد يساعدنا فهم الفوضى على تقديم دعم أفضل في عملية اتخاذ القرار، ولن يتحقَّقَ تقدُّم سياسي واقتصادي واجتماعي في السودان ما لم يتم إيقاف مصادر خلق الفوضى ، من جرَّاء استخدام توقُّعات زاخرة بالمعلومات المغلوطة إلى الاستخدام اليومي لمعلومات عدم اليقين بَدءًا من المنابر السياسية والحركة الثورية والأوامر العسكرية في غرف التحكم غير الوطنية.
التوقع صعب. لا يتضح أبدًا أيَّ سياق سيتخذه الانسان السوداني لاحقًا، بَيْدَ أن حقيقة أن الفوضى غيَّرت مرمى الهدف الثوري ، و ربما تُمثِّل أكثر الآثار ديمومة على المشهد السياسي والعسكري والثوري ، وهي رسالة يجب طرحها مبكرًا في المرحلة الانتقالية الحالية؛ إذ لا يزال الدور الذي يلعبه عدم اليقين والتنوُّع الزاخر في السلوك الذي تكشف عنه النظم السياسية المهترئة لا ينال قدره من التحليل والتقييم بدرجة كافية.
يرتبط عدم اليقين في الملاحظات مع أخطاء النماذج ارتباطًا وثيقًا، وهو ما يجبرنا على إعادة تقييم ما يُعد نموذجًا جيدًا. أثبتت غايتنا القديمة في تقليص استخدام مبدأ الانسياق خلف الاحزاب الطائفية من جهة والأحزاب الواردة من الخارج من جهة أخرى والحكومات العسكرية تضليلها لنا، لكن أيجب أن يحل البحث عن البدائل محلها جميعا ؟ أهو بحث عن نموذج يبدو سلوكه جيدًا؟ أم عن القدرة على وضع توقعات احتمالية موثوق بها أكثر؟
من خلال منظور الرؤية الشاملة لجيل الالفية الثائر، يمكننا أن ندرك بوضوح أيُّ الأسئلة منطقيٌّة وهو ما يستدعي تحديات للافتراضات الأساسية في السياسة الثورية والعسكرية بنظرية الاحتمالات الممكنة بالمعطيات الماثلة في حركة الشباب الثورية . هل ترجع حالات الفشل في النمذجة إلى عدم قدرتنا على انتقاء الإجابة الصحيحة من بين الخيارات المتاحة، أم هل ينعدم أي خيار مناسب مطروح؟ كيف يمكننا تفسير محاكاة مُستقاة من نماذج غير ملائمة تجريبيًّا؟ بصرف النظر عن معتقداتنا الشخصية حول وجود الحقيقة، تجبرنا دراسة الفوضى على إعادة التفكير فيما يعنيه تقريب الرؤية عبر دراسة الفوضى يمكننا ان نقدم أدوات جديدة، مثل نماذج إعادة بناء متأخرة ربما تُسفِر عن نماذج متناسقة حتى حال كوننا لا نعرف «النتائج المتضمنة» .

ثمة تحدي جديد لدى الشباب يمكن من خلاله قياس النظم السياسية الديناميكية نوعيا، وأساليب جديدة في توقُّع اليقين، وظلال تعمل على رأب الفجوات بين نموذجنا وملاحظتنا، والتشويش الذي يتعرض له الشارع الثوري إن دراسة الفوضى بمحور الاهتمام من الارتباط إلى المعلومات، ومن الدقة إلى الموثوقية، مع تقليص أخطاء الماضي من نحوٍ غير حقيقي إلى نهج حقيقي و تعظيم المنفعة .
ان دراسةُ الفوضى السودانية تعيد إثارةَ النقاش حول مكانة الاحتمالات الموضوعية لمستقبل السلام والاستقرار والتطور والوحدة والنهضة تبقي الأسئلة ،هل يمكننا بناء توقع احتمال ناجح عمليًّا، أم هل نحن مضطرون إلى ابتكار أساليب جديدة « سودانية مخصصة» لاستخدام المعلومات الاحتمالية دون توقعات احتمالية؟ هل نقيس عدم اليقين في مستقبل السودان الواقعي أم أننا نكتشف التنوع في نماذجنا؟ هل يسعى الجيل الجديد إلى نقاط عدم الملاءمة فيه دون تقديم أي نماذج كاملة أو حلول نهائية؟