د. اسامة احمد المصطفي – واشنطن
- المؤامرة التاريخية تعود إلى السطح.
- التفاوت الاجتماعي ونتانة العنصرية كارثة.
- فشل القوى السياسية والقيام بنفس أدوارها القديمة.
- تآمر قوى الأمن والعسكر من أجل خلق واقع جديد.
- مليونية( القصاص) .. الخرطوم وجوبا مدن العالم ضرورة قصوى.
ما شهده الخرطوم الأسبوع الماضي ، وتحديدا ما حدث في ضاحية (الكدرو) والمناطق المجاورة ، ما هو إلا إعادة إنتاج لنفس المؤامرة التاريخية ، بنفس الأساليب التي تسعى إلى طمس الحقائق ، ولفت أنظار الشعب السوداني في الجنوب و الشمال عن مطالبهم بمعالجة المظالم التي تقع عليهم من كل من الحكومتين ، وهي مؤامرة ذات هدف كبير قد تجرّ كل من البلدين إلى حرب لها عواقب وخيمة. ومعظمنا يعلم من صاحب هذا التآمر التاريخي الممتد .

إن فهم الجنوب لنظرية مؤامرة السياسيين في الشمال لتسليم زمام الأمر للمؤسسة العسكرية في كل المراحل الصعبة التي مر السودان الكبير بها فيما يتعلق بالجنوب بعد فشل الأحزاب السياسية في إدارة الدولة في كل مرة منذ ما بعد استقلاله في العام 1956 من القرن الماضي بإيعاز منهم للقمع والقتل كما حدث ثلاث مرات: في كل من 17 نوفمبر 1958، 25 مايو 1969، وفي 30 يونيو 1989، عندما كانت الحكومة العسكرية هي المهيمنة بشكل أو بآخر مع اختلاف معطيات كل فترة منها مع ملاحظة ان القوى السياسية والحزبية واصلت لعب دور المؤامرة ضد الجنوب وضد المناطق المهمشة الأخرى بكل أساليب القمع والقتل التي حدثت في الجنوب بأمر من السياسيين بدون استثناء وجميع أحزابهم وبتنفيذ العسكر .
في سياق موازي قد يُعزى التفاوت الاجتماعي السوداني إلى عدم التوازن العرقي والإقليمي بين المركز المهيمن من جهة ، والمحيط الخارجي المهمش من جهة أخرى ، فقد تم تطوير المركز بدرجة كبيرة بعد استقلال البلاد ، فيما ظلت مناطق واسعة من المحيط السوداني ، وخاصة الجنوب والغرب وحتى الشرق ، والشمال مهمشة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
مما أظهر نمط واضح من التقسيم الطبقي الاجتماعي في الدولة ، و تزامن ذلك مع تمركز الثروة والسلطة والمكانة الاجتماعية مع الهوية العرقية والإقليمية في المركز ، حيث اتجه كبار المسؤولين السياسيين والضباط والمفكرين وغيرهم إلى التجمع في المناطق المركزية ، وقد انطبق هذا على شريحة كبيرة من سكان الحضر، وبينما احتوت المساحات الخارجية والإقليم على تجمعات كبيرة من الأميين والرعاة ذوي النظرات المتهالكة،وهكذا ، تدخلت المجموعة الإثنية أو العرقية المهيمنة بطريقة أكثر مباشرة في خط الإدراك الاجتماعي للمحيط ، مما دفع المحيط إلى إعادة تحديد هويته. كانت التصورات الحسية المختلفة سببًا واضحًا لسخط مجموعة المركز المتعلمة. لقد دعا منطق مشروع بناء الأمة إلى تغلغل إداري في الجنوب التحديد مع قصد تجاهل الغرب ، من خلال البنية التحتية الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات والمساجد ، إلخ. الفوارق الجسدية مقارنة بالمركز.

وقد أدت سلسلة من العوامل المنفردة والعرضية في هذه الأحيان إلى أمر واقع سيئ واتفاقات ووعود مُخْلَفة من جانب النخبة السياسية المركزية الحاكمة، ولاسيما الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل العسكريين العاملين في الجنوب ، هذه العوامل، منفصلة أو مجتمعة على الأرجح، أصبحت عامل الدفع المحفز والمزكي لنار الصراع المستمر ، لم يسع المركز إلى إحكام سيطرته على الجنوب والغرب فقط ، بل نشر رموزه الثقافية كاللغة والدين ، أي العربية والإسلام ، مما استلزم سياسة الاستيعاب الإجباري ، وهذا ما تم إدراكه من الرعيل الأول من الثوار في الجنوب قادة ( انانيا واحد) ، فلم يكن هذا الأمر عشوائيًا ، بل كان مخططًا مدروسًا جيدًا ، وليست نظرية مؤامرة ، بل كانت مؤامرة حقيقية ضد الجنوب والمناطق الطرفية .
ولكن الأجيال التي ثارت في الجنوب ودارفور جبال النوبة والنيل الأزرق أدركوا ذلك ، ثم جيل الألفية الذي يتحرك الآن بثورته التي انطلقت في ديسمبر 2019 في كل من استطاع ان يحقق في برهة من الزمن اللحمة السودانية ، مع ذلك هناك من لم يزل يعيش في جلباب نتانة العنصرية وهذا ما لا يجب التهاون معه بل يجب ان تخرج لجان المقاومة وجميع حركات التحرر ب(مليونية الخرطوم ومليونية جوبا ) في يوم واحد للمطالبة بالقصاص ممن قتلوا الأبرياء ومن المحرضين ، فهل يستجيب الشارع السوداني ؟