ملفاتمنوعات

السودان الجديد .. الرؤية وتفعيل دور الشباب

د. اسامة احمد المصطفى – واشنطن

لعل النظرية الرومانسية للسياسة ضرورية في التيار السوداني في الراهن و قد تلعب  دوراً   في مسيرة التغيير، فمن المعروف أنه عندما دخل عبد الله حمدوك الإقامة الجبرية ، كان رئيس  وزراء الأكثر تشدداً ضد نفسه ومصالح الشارع ، لكنه كان أيضاً شخصية شائكة في المؤسسة التنفيذية، ولكنه انسحب  في نهاية المطاف ، وعندما تم اعتقال مجموعات الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بعد استيلاء الجيش علي السلطة ، ثم الإفراج عنهم لاحقا ، تغيرت طبيعة العلاقة بينهم والثوار من جهة ومع مجلس السيادة والعسكر من جهة أخرى لتأتي جليا في تصريحات خالد سلك الأخير حول الحوار وما ضربه من مثل بما يجري بين روسيا وأوكرانيا ، فهل نحن !أمام مرحلة جديدة تتسم بالرومانسية السياسية والمغازلة العلنية ؟ ربما

وفي سياق موازي ، عندما نسعى للتخطيط لمستقبل السودان ومن وجهة نظر تهتم بدور الشباب فإن المهمة الرئيسية الآن أمام الجيل الجديد والقوى السياسية الجديدة هي قيادة الأمة نحو ترسيخ مفاهيم جديدة ، الأسس والأساليب والأفكار ، مما يؤدي إلى عرض الأبعاد التي فقدت في البلاد خلال أكثر من خمسة عقود مضت ، مما أدى إلى التخلف والأزمات في السودان الآن ،إذا كانت تنمية السودان واستقراره مرهوناً بمدى وجود اتفاق وطني استراتيجي بين القوى السياسية يحدد كافة البنود السياسية ومعايير التخطيط الاستراتيجي لإدارة الدولة وتحقيق نهضتها ، فلا بد من التحضير لها بشكل  جديد ومغاير ليكون نقطة الانطلاق لاستقرار السودان ونهضته .. وهذا المطلب أساسي لما تبقى من المرحلة الانتقالية إلى دخول الإدارة الجديدة لهذا البلد الضخم بعقلية شبابية منفتحة تتخطى الفكر الرجعي للنخب للدخول إلى عولمة.

وهنا لا بد من اتخاذ الخطوات الأولى لمشاريع الاتفاقيات الوطنية في سياقات تستقطب الشباب المستنير في المقام الأول وجميع الشباب من جميع التيارات الثورية والوطنية في جميع المناطق  والأقاليم  بتطبيق اللامركزية المقننة  التي يمكنها أن تسجل نقلة نوعية في السودان الجديد مع شبابه الحديث بالفكر الوطني، لقد حان الوقت للشباب باقتراح جديد ورؤية مختلفة تجسد كيفية ممارسة السياسة والديمقراطية ، وبالتالي في نهاية المطاف كيفية إدارة الدولة وتخطيطها ومدى اعتماد الأساليب العلمية ، الأمر الذي يؤدي لتحقيق مصالح الدولة والمصالح المادية والمعنوية للمواطنين من خلال موارد السودان الطبيعية الهائلة ، والأراضي الزراعية الشاسعة ، والموقع المتميز بالقرب من الأسواق العالمية والعربية والأفريقية ، والموارد البشرية  الذكية بصفة عامة والشبابية بصفة خاصة.

لقد ان الأوان  الوقت لترجمة كل هذه الظروف الطبيعية التي ميزت السودان ، والتي كانت ولا تزال تؤهله لأن يصبح قوة اقتصادية ذات ثقل دولي يمكنه ان  تصل إلى ذلك بمساعدة الشباب وفق استراتيجيات موازية في جميع اتجاهات الخدمة الوطنية والمدنية في المقام الأول والعسكرية لحماية الشعب في المقام الثاني .وذلك  يمكن تحقيق نمو هائل يحول هذا البلد إلى رقم له وزنه على خريطة العالم المتقدم اقتصادياً بثقة أكبر بالنفس إذا ما أتقن الشباب ذلك الدور من خلال تأهيلهم لأعلى مستويات الفكر السياسي والاستراتيجي ، في إدارة الدولة ، فهم عماد المستقبل. إن أسس النهضة التي يجب أن نعتمد عليها في المرحلة الحالية والمستقبلية من حياة الأمة السودانية  تكمن في وصولها (دفعة واحدة أو في مراحل مدروسة وسريعة) إلى اتفاق وطني يحدد المصطلحات.

وهي معايير التخطيط الاستراتيجي التي لا يجوز الخلاف عليها أولها الاتفاق على أن الشباب هم من يقود البلاد وفق آليات مدروسة يضعها خبراء مختصون من مراكز دراسات ومفكرون وطنيون كل في مجاله مع الاتفاق على أن الإقرار بالتنوع الثقافي عنصر من عناصر قوة الدولة ، ويجب تقنينه ووضعه في المسار الصحيح بحيث يتم تركيزه في تيار نهضة الدولة وعلى أن لغة العلم هي الوسيلة الوحيدة لممارسة السياسة وإدارة الدولة مع التركيز على أن الأولوية لمصالح الأمة على المصالح الحزبية  والاتفاق على أن الممارسة اللاعقلانية للسياسة تشكل الخطر الأول على الدولة ونموها وتطورها. 

وفي سياق متصل نجد ان الأهمية تقتضي  الاتفاق على أن لغة العلم هي الوسيلة الأفضل والأسرع للتوصل إلى اتفاق وطني يحقق تطلعات الشعب السوداني ،علي ان يرتقي مستوي الوعي الي فهم  أن أمن الدولة واستقرارها مرهون بمدى تحقيقها للمصالح الاستراتيجية ، والتنمية المتوازنة ، وتحقيق مجتمع العدل والازدهار والعلم .على أن تحقيق المصالح الاستراتيجية للدولة لا يمكن أن تحدث  بمعزل عن العالم والتعاون الفعال معه ،فان أي تخطيط استراتيجي للدولة لا يمكن أن يكون فعّالاً إذا لم تتم دراسته وتحليله ومراعاة الاستراتيجيات والمصالح الإقليمية والدولية التي تتفاعل ببراغماتية مع العالم. قبل ذلك كله على جميع المجموعات الوطنية عدم ترك أي بند استراتيجي غير متفق عليه بين القوى السياسية والعلمية في الدولة ، باعتبار أن أخطر ما يمكن أن يواجه الدولة ويضيع وقتها وقضيتها، إلى عدم الاستقرار وتحويله إلى حلقة مفرغة هو استمرار الخلاف حول الأمور الاستراتيجية.

وواضح جدا  وقعت القوي السياسية السودانية  في العديد من الأخطاء الاستراتيجية ، وعلى رأسها الممارسة الخاطئة وغير العقلانية للسياسة والديمقراطية، ساهم انشغالهم بالصراع على السلطة في فشل تلك الأحزاب في التفكير في تطوير رؤية وفكر استراتيجي لإدارة الدولة الضرورة تقتضي عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء الجسام ،فالديمقراطية لم تمارس  بمعناها الصحيح حتى الآن في السودان ، وما تم تحقيقه ليس أكثر من الوصول إلى السلطة من خلال انتخابات في دوائر مغلقة أو مدعومة من الجماهير التي تدعم من وجهة نظر عقائدية طائفية ، أو وعدت بتحقيق أهداف محددة أو أو من خلال البوابة القبلية يتم اختيار المرشحين من قبل القيادات بالخرطوم (وسط) ولا يشترط أن يتم اختيارهم من قبل الجماهير. ان ادراك ذلك الامر يحتم علينا جميعا رفض مثل هذه الممارسات القاتمة  عندما ويحين وقته بل يجب الاستعداد له من الان .

لان لا يستقيم ان توجد قيادة في القمة بلا جدوي، و جماهير يتم اختلاس  حقوقهم ، حتي سئِمت و أصبحت في الحياد ليتسع تيار الوسط الصامت اكثر فاكثر الي ان أصبحت ثورته ضد الأحزاب السياسية  ، و يرجع  ذلك إما لعجز الطرح أو ضعف الإرشاد أو الانشغال بالصراع حول السلطة  ،عدم الوعي بالشفافية وممارستها على أعلى المستويات في الدولة ،إحباط تلك الأحزاب لجماهيرها التقليدية و فشلها في إقناع الشباب الذي يمثل الغالبية العظمى من تعداد السكان ، والذي بات ينظر نحو الجديد بسواعد وقدراته ، مما يمكن أن يحقق له طموحاته  ، التي لا تسعها الأحزاب التقليدية ،  والتي تعيش في  حيرة كبيرة بحجم الخلل الاستراتيجي في ممارسة السياسة و الديمقراطية وأسلوب الطرح .

وفي سباق موازي إذا اتبعنا مسار عمليات المصالحة الوطنية السودانية ، وأخذنا بعين الاعتبار الأسس التي يدور حولها موضوع المصالحة الوطنية ، يتضح لنا أنها نفس العناصر التي يدور حولها البلد منذ  اكثر من خمسين عامًا ،  وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها تعكس عيوب الهم الوطني، في الواقع ، تم تسوية العديد من هذه العناصر. مقدما نعود للتطورات العالمية أو العلمية والمنطقية ..

 فالحديث عن الديمقراطية .. التداول السلمي للسلطة .. حقوق الإنسان بشكل عام أصبحت مفروضة بفعل التطورات الدولية. يعتمد التعاون الإيجابي النشط مع العالم والحصول على الفوائد والتمويل والحصص في التجارة الدولية على مدى تحقيق هذه العناصر، يجب ان تكون هذه من المقاصد المهمة في المرحلة القادمة ، وهذا يعني بالضرورة أهمية وجود هيئة تنفيذية قادرة على مواكبة التطورات العلمية في العالم ، وهذا شيء لا يمكن القيام به إلا في ظل خدمة مدنية مستقرة تقوم على العلم والقانون والكفاءة ، وليس على الحزبية ، أساس ديني أو إقليمي.

 إذا نظرنا إلى ما يحدث في عالم الكتل وتتبعنا حرب المصالح ، يتبين لنا أن العالم يتعامل بضراوة ، دون عواطف ، وبأقصى درجات علمية من أجل تحقيق مصالحه ، وهذا ما أدى إلى على الدول الأوروبية تحقيق الاتحاد فيما بينها وهي أقوى منا علميا وفنيا وعسكريا واقتصاديا، لكنهم الآن كما نشهد  ان دول حلف الناتو  في مأزق مع روسيا بشأن ملف أوكرانيا.  

هذا ما يدفعنا للقول بأن المساومة على السلام والوحدة لا تعني ضعف طرف على حساب آخر ، وعلينا في السودان مع جيل الشباب أن ندرك أن مهمة الدولة كبيرة إذا تبنوا منهجية الدولة وأقروا العملية العلمية و المنهجية هي الطريقة الوحيدة لإدارة البلاد وتحقيق مصالحها الاستراتيجية العادلة في الألفية الثالثة مع جيلها وشبابها المستنير، فإدراك مجموعة الشباب الوطني  ان أمن البلاد يرتبط مع الأخطار التي تواجهها وتحديات تطورها ونموها ارتباطا وثيقا بظروف العولمة والتطورات الدولية والإقليمية والمصالح الاستراتيجية الإقليمية والدولية والتطورات العلمية والتقنية ومدى انتشارها. 

ان يعملوا على ان يتم  التوصل إلى اتفاق استراتيجي للتعاون مع المجتمع الدولي لتبادل المصالح ، خاصة وأن السودان دولة تمتلك ثروات طبيعية ضخمة،(سودانية من حيث الملكية ) ، (عالمية من حيث الاستهلاك ) ، وهي كبيرة لدرجة أنها لم ولن تغيب عن التخطيط الاستراتيجي الدولي والإقليمي .وهذا الأمر  يتطلب التخطيط المقابل من أجل تحقيق المصالح العادلة للدولة وانعكاسها بشكل إيجابي، وكل ذلك يعني أن إهمال الاتفاق الوطني بالنسبة لهذه البنود التوصل إلى اتفاق وطني قصير هش  ، وبالتالي فإن استمرار البلاد في الحلقة المفرغة واستمرار الأزمات .

إذا كانت المجموعة الوطنية تتبنى مبدأ ومنطق الحوار ، بدلاً من الصراع والمواجهة في جميع مسارات علاقاتها في بيئتها الداخلية في الوقت الراهن ، فهذا النهج الاستراتيجي الذي ستنتهجه ، والذي يقوم على تطبيق الدبلوماسية ، بآليات ترسيخ مفهوم السلام والوئام ، سيكون مؤشرا على أعلى مستوى من الوعي بالعلاقات في هذه المرحلة ، في إطار الدبلوماسية الوقائية ، فإن المحصلة النهائية هي إدراك أن الأمل الوحيد للتغيير يعتمد على الوعي الشبابي المستنير وجهود المفكرين الجادين والانفتاح على الآخر بالحوار البناء ونبذ مبدأ الاملاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى